صاحب الغبطة الكلي الطوبى
إن خبر انتخابكم بطريركا على الطائفة المارونية أطرب الموارنة ولبنان بأثره ، فصدحت أصوات الأجراس في أوديته وسهوله تعبيرا عن الغبطة العارمة بانتخابكم البطريرك السابع والسبعين يا صاحب الغبطة. ولعلّ الرمزية التي هي من أهم علامات النبوية في الكتاب المقدّس والأدب الكنسي، رافقت انتخابكم الميمون وطبعت حبريتكم منذ اللحظة الأولى. وهذا لعمري علامة من علامات الأزمنة وهبة من مواهب الروح.
فمن حملايا حملتم عبق رائحة القداسة ممزوجا بطيب الجرح السادس من قديسة لبنان، رفقا الريّس. ومن رهبنتكم "المريمية" تكرّستم للعذراء مريم رفيقة الموارنة وشفيعة مقرّات بطاركتهم منذ نشأتهم. ومن اسمكم تحملون البشارة الجديدة على أبواب اليوبيل الألف الثالث لوجود الرب يسوع المبشر في منزل أبيه بعمر الثانية عشر من عمره. ومن اسم عائلتكم تسربلتم بالرعاية الحكيمة والتدبير والتقديس على خطى راعي الرعاة. ومن عدد ترتيبكم بين أسلافكم البطاركة - لن أقول الكمال، لأنه لرب الكمال وحده - إنما الشمولية بالمهمة الملقاة على عاتقكم والعودة الصادقة للمغفرة والمسامحة المطلوبتين بين أبناء الكنيسة المارونية سياسيين وعامة شعب "سبعين مرة سبع مرّات". وإذا ما أردنا أن نستعمل هذا العدد بالعاميّة فأنت يا صاحب الغبطة "سبع وسبعون سبع".
إن توليّكم رئاسة الكنيسة المارونية في هذه الحقبة التاريخيّة العصيبة التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط هو علامة رضى من الله. لأنكم يا صاحب الغبطة لا شك ستعيدون مجد البطاركة الأمراء العظام. فالبطريرك الماروني كان دوما القائد والرئيس "للأمّة المارونية" والمدافع عن حقوقها والساعي إلى عزّتها عند الملوك والرؤساء. والرسائل التي كانت ترد من ملوك فرنسا لأسلافكم كانت تبدأ بالتحية التالية: "إلى أمير الأمّة المارونية في جبل لبنان".
نعم يا صاحب الغبطة أنتم أمير لن يذكركم التاريخ لأن صفحاته ستعجز عن احتوائكم، كونكم تاريخ عريق بذاتكم. إن تاريخ لبنان الكبير سطّر لسلفكم البطريرك الحويّك صفحات مجيدة في تحقيق استقلال لبنان ولا شك أنه سيسطّر لكم أكثر بكثير للدور الذي تلعبون في معمعة الخضّات العربية من أجل المحافظة على منعة هذا الوطن وبقائه وطن الرسالة في هذا العالم.
صاحب الغبطة إن زيارتكم اليوم لرعيّة مار يوسف الحجة هي لنا محطّة تاريخيّة مجيدة ستلهج بها الأجيال إلى زمن بعيد. هذه البلدة الصغيرة الوادعة في أرض جنوب لبنان هي أرض للقداسة ومقلع للدعوات الكهنوتية والرهبانية:
ففي بلدتنا ثلاثة كنائس الأولى تمّ ترميمها وإعادة تكريسها في أيلول سنة 2005 ويعود تاريخ بنائها لأكثر من أربعماية سنة وهي على اسم العذراء مريم سيّدة المزار. والثانية هي كنيسة مار يوسف الرعائية التي نحتفل باليوبيل المئوي الأول على بنائها هذه السنة (2011)، والتي ستشهد على تخليد زيارتكم إلى بلدتنا في سنة يوبيلها من خلال لوحة نطلب منكم أن تتكرموا بإزاحة الستارة عنها بعد إنهاء التنشئة. والكنيسة الثالثة هي كنيسة العائلة التي أردنا أن نجمع فيها الشفيعين، يوسف ومريم مع الفادي الإلهي فتكون الكنيسة الرعائية الأولى في لبنان بهذا الإسم. ندعوكم يا صاحب الغبطة منذ اليوم لتتكرّموا فتحتفلوا في هذه الكنيسة بالذات بيوبيلية الألفية الثالثة لوجود العائلة المقدّسة في الهيكل مع يسوع للمرة الأولى، حيث علّم الكهنة والعلماء.
صاحب الغبطة
لقد وهبت الحجة للكنيسة أسقفا جليلا هو عنوان التقوى والقداسة والقرب من رعيّته وهو المطران شكرالله نبيل الحاج، كما أعطت رئيسا للإكليركية وقاضيا روحيا يشهد له الجميع بالنزاهة والاستقامة وحسن السيرة وهو المنسينيور مارون العمار، كما قدّمت المونسينيور شربل عبدالله النائب العام لأبرشية صور المارونية والدكتور في الفن الكنسي وصاحب الباع الطويل فيه، بالإضافة إلى راهب في الرهبنة المارونية اللبنانية رفض السيامة الكهنوتيّة تواضعا منه وتشبّها بالطوباوي الكبير اسطفان نعمة وهو الراهب نخلة نخلة، هذا ويتحضّر اليوم للكهنوت إكليريكي نشيط من أبنائناهو أنطوان غزال. وإذا كنت أقف اليوم أمامكم كخادم لهذه الرعية ، من دون استحقاق مني، فهو بفضل صلوات الكهنة الذين ذكرتهم، وبفضل أدعية أبناء بلدتي الأحباء.
صاحب الغبطة إن أبناء رعية مار يوسف الحجة تغمرهم فرحة عارمة اليوم باستقبالكم، وهم يعتبرون حضوركم بينهم نعمة كبيرة من الله. ولكي تخلد رعيّتنا هذه الزيارة نطلب من غبطتكم أن تفتتحوا السجل الذهبي للرعية بكلمة منكم مذيّلة بإمضائكم الكريم، كما نرغب منكم مباركة تراب بلدتنا وتوقيع سجلات الرعية. وفي الختام لا يسعنا إلا أن نعبّر لكم عمق خضوعنا لسلطتكم الكنسية وتمسّكنا بأهداب مارونيتنا العريقة.
الاثنين 26 أيلول 2011